يصف الكاتب زياد مطاوع فوز زهران ممداني في انتخابات رئاسة بلدية نيويورك باعتباره رفضًا أخلاقيًا قاطعًا لمؤسسة سياسية خلطت بين النفوذ والفضيلة، وبين المال والاستحقاق. صمد ممداني أمام سيل من تبرعات المليارديرات، وعداء الإعلام، والإسلاموفوبيا، ومعارضة قادة حزبه، فانتصر. حمل فوزه رسالة بأن معادلة السلطة القديمة — ثروة زائد نفوذ — لم تعد صالحة.

 

نشرت الجزيرة أن ممداني كشف تناقض الحزب الديمقراطي الأمريكي الذي يتحدث باسم التعاطف بينما يخدم مصالح رأس المال. طرح أسئلة بسيطة تمس صميم الحياة اليومية: من يستطيع العيش في هذه المدينة؟ دعا إلى إسكان عام، وحماية حقوق المستأجرين، ورعاية أطفال مجانية، وحافلات بلا مقابل، وحتى إنشاء متاجر بقالة عامة لكسر احتكار الشركات الغذائية. وعد بجعل الأغنياء يدفعون نصيبهم العادل.

 

مميزات ممداني

 

ما ميّز ممداني لم يكن برنامجه فقط، بل وضوحه الأخلاقي حين قال إن الحكومة يجب أن تخدم من يعملون لا من يضغطون. أكّد أن المدينة ملك لمواطنيها، لا للمطورين والممولين. في المقابل، مثّل خصمه أندرو كومو نموذج السياسة المتعفّنة، مدعومًا من وول ستريت ومموّليه التقليديين. حاول تلميع صورته بعد فضائح أخلاقية، لكنه واجه ناخبين لم تعد تنطلي عليهم حيله.

 

هاجم الحزب الديمقراطي نفسه مصداقيته حين دعم كومو رغم معرفته بتلك الاتهامات. كشف ذلك أن مبادئ النزاهة لديهم مرهونة بمصالحهم، وأن بوصلتهم الأخلاقية تتجه حيث يشير المموّل. صار دفاعهم عن كومو صورة مطابقة لتبرير الجمهوريين لدونالد ترامب: سياسة بلا قيم، تحركها المصلحة المجردة.

 

في المناظرات، أعلن المرشحون الديمقراطيون أن إسرائيل ستكون أول وجهة خارجية لهم. رفض ممداني هذا التقليد وأوضح أنه يترشح لعمدة نيويورك لا سفيرًا في الشرق الأوسط. صدم هذا الصدق المؤسسة السياسية والإعلامية التي رأت في موقفه “تطرفًا”، لكن الناخبين فضّلوا الصدق على النفاق.

 

اتهموه بالاشتراكية فابتسم الناس. أدركوا أن ما سماه خصومه “شيوعية” ليس إلا عدالة اجتماعية. ثم لاحقوه بتهمة “معاداة السامية” لمجرد انتقاده الصهيونية وجرائم إسرائيل في غزة، لكن التهمة فقدت قيمتها الأخلاقية بعد تكرارها المبتذل. رأى الناخبون الحقيقة، ورفضوا الخضوع لتخويف قديم.

 

في مواجهة تلك الحملة، أظهر الناخبون أن الوضوح الأخلاقي ليس راديكاليًا بل ضروريًا. بينما لجأ خصوم ممداني إلى العنصرية والإسلاموفوبيا، حمل فوزه صفعة رمزية لكل من استغل دينه سلاحًا انتخابيًا.

 

تجلّى الانقسام الأخلاقي الأكبر في الموقف من إسرائيل. تحدى ممداني ما لم يجرؤ عليه كثير من الساسة الأمريكيين، فرفض الاعتراف بإسرائيل كدولة يهودية قائمة على عدم المساواة، وندد بمجازرها في غزة بوصفها إبادة جماعية. في المقابل، عرض كومو ولاءه لبنيامين نتنياهو حتى في حال محاكمته على جرائم الإبادة، ما جعل الناخبين يرونه رمزًا للتطرف السياسي والأخلاقي.

 

التحول في الجيل الجديد

 

كشفت ردود فعل الجيل الجديد حجم التحول. لم يعد الشباب يخشون انتقاد إسرائيل أو تكرار الأكاذيب القديمة عن “الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط”. يشاهدون جرائم غزة مباشرة ويرفضون الصمت باسم “الاعتدال السياسي”. أصبحوا يصرّون على أن التعاطف مع الفلسطينيين لا يُعد خيانة، وأن الحقيقة لا تحتاج إذنًا من جماعات الضغط.

 

أظهر قادة الحزب الديمقراطي ترددهم المربك: السيناتور تشاك شومر امتنع عن تأييد ممداني، أما النائب حكيم جيفريز فانتظر حتى اللحظة الأخيرة ليعلن دعمه. عكست هذه التصرّفات جبن قيادة أسيرة لعقلية المموّلين، تظن أن وول ستريت تحدد الصواب وأن اللوبي الصهيوني يرسم حدود الكلام المسموح به. لكن الناخبين تجاوزوا هذا الجمود منذ زمن.

 

يعبّر فوز ممداني عن تمرد جيل بأكمله على نظام يطالبهم بالصبر على الظلم بحجة الواقعية. هذا الجيل المثقل بالديون والإيجارات الباهظة سئم وعود الإصلاح الرمزية ولغة القيم الفارغة. يريد سياسة صادقة تعكس معاناته وتدافع عن كرامته.

 

يحاول كبار الحزب تفسير النتيجة كحادث محلي، لكنها في حقيقتها إدانة شاملة. كشفت الانتخابات أن الحزب الديمقراطي استبدل الضمير بالتمويل، والتمثيل الشعبي بالوصول إلى السلطة. الرسالة من نيويورك واضحة: المواطنون استعادوا ديمقراطيتهم من يد من باعوها. أثبتوا أن الضمير أقوى من المال، وأن المبدأ لا يزال قادرًا على الانتصار في قلب أكثر مدن العالم تعقيدًا وتنوعًا.

 

https://www.aljazeera.com/opinions/2025/11/5/mamdanis-win-a-rejection-of-genocide-donor-rule-and-the-democratic-elite